أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ(157)

 

 

قد يحتج المشركون من أن التوراة والإنجيل لو نزلت عليهم لكانوا أهدى من اليهود والنصارى ، وفى هذا القول ما يعنى أن أذهانهم مستعدة لتقبل الإيمان ، وقد قطع الله عليهم كل عذر فجاء بالقرآن ، ويقول الحق :

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ...(157)} (سورة الأنعام)

و"صدف" من الأفعال التى تُستعمل منعدية وتُستعمل لازمة ، ومعنى "لازمة" أنها تكفى بالفاعل ولا تتطلب مفعولاً ، فمثلاً إذا قيل لك : جلس فلان . تفهم أن فلاناً قد جلس ويتم لك المعنى ولا تتطلب شيئاً آخر . لكنك إن قيل لك : ضَربَ زيد ، فلابد أنك تنتظر من محدثك أن يبين لك من الذى ضُرب ، أى أنك جئت بفعل يطلب شيئاً بعد الفاعل ليقع عليه الفعل . وهذا أسمه فعل "متعد" أى يتعدى به الفاعل إلى المفعول به .

و"صدف" فيها الخاصتان . وجاء الحق بهذه الصيغة المحتملة لأن تكون لازمة وأن تكون متعدية ليصيب الأسلوب غرضين ، الغرض الأول : أن تكون صدف بمعنى انصرف وأعرض فكانت لازمة أى ضل فى ذاته ، والأمر الثانى : أن تكون صدف متعدية فهى تدل على أنه يصرف غيره عن الإيمان ، أى يضل غيره ، ويقع عليه الوزر لضلال نفسه أولاً ثم عليه وزر من أضل ثانياً ، ولذلك جاء سبحانه باللفظ الذى يصلح للأثنين "صدف عنها" أى انصرف ، ضلالاً لنفسه ، وصدف غيره أى جعل غيره يصدف ويعرض فأضل غيره ، وبذلك يعذبه الله عذابين ، فيقول سبحانه :

{سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ(157)}

(سورة الأنعام)

فكأن المسألة يرتكبها اللذين صدفوا أنفسهم ، وصرفوها عن الإيمان ، ويصدفون كل من يحاول أن يؤمن . وهؤلاء هم القوم الذين أعرضوا وانصرفوا عن منهج الهدى ، أو تغالوا فى ذلك فصرفوا غيرهم عن منهج الهدى ، ولو أنهم استقرأوا الوجود الذى يعايشونه لوجدوا الموت يختطف كل يوم قوماً على غير طريقة رتيبة ، فلا سن يحكم ويحدد وقت وزمن انقضاء الأجل ، ولا الأسباب تحكمه ، ولا المرض أو العافية تحكمه ، فالموت أمر شائع فى الوجود . ومعنى ذلك أن على كل إنسان أن يترقب نهايته ، فكأنه يتساءل : لماذا إذاً يصدفون؟ . وماذا ينتظرون من الكون؟ . أرأوا خلوداً فى الكون لموجود معهم؟ .