قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ

رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)

 

 

هم قالوا له : (( إنا لنراك فى ضلال مبين )) , والمتبادر أن يكون الرد : ليس فى أمرى ضلال, لكنه قال هنا : (( ليس بى ضلاله )) , أقول ذلك لنعرف أن كل حرف فى القرآن موزون لموضعه. هم قالوا له : إنا لنراك فى ((ضلال , فيرد عليهم : ليس بى ضلالة , لأن الضلال جنس يشمل الضلالات الكثيرة, وقوله يؤكد أنه ليس عنده ضلاله واحدة. وعادة نفى الأقل يلزم منه نفى الأكثر, مثلاً عندما يقول لك صديق : عندك تمر من المدينة المنورة؟ تقول له : ليس عندى ولا تمرة واحدة. أنت بذلك نفيت الأقل , وهذا أيضاً نفى للأكثر. ( قال يا قوم ليس بى ضلالة).

وحين ينفى نوح عن نفسه وجود أدنى ضلالة فذلك لأنه يعرف أنه لم يأت من عنده بذلك , ولو كان الأمر كذلك لأتهم نفسه بأن هواه قد غلبه , لكنه مرسل من عند إله حق.

( ....... وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)                          سورة الأعراف

وقوله : (( ولكنى )) استدراك فلا تقولوا : أنا فى ضلال , فليس فىّ ضلالة واحدة , لكن أنا رسول يبلغ عن الله, والله لا يعطى غير الهدى.

( رسول من رب العالمين ) أى سيد العالمين ومن متولى تربية العالمين, ومن يتولى التربية لا يُنزل منهجاً يضل به من يربيهم, بل ينزل منهجاً ليصلح من يربيهم , وسبحانه قبل أن يأتى بهم إلى الوجود سخر لهم كل هذا الكون , وأمدهم بالأرزاق حتى الكافرين منهم , ومن يعمل كل ذلك لن يرسل لهم من يضلهم.

ويستمر البلاغ من نوح عليه السلام لقومه فقال :

 

 

 

 

أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ

مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)