ثم يقول سبحانه
" وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما 68 " الفرقان
(1) سبب نزول الاية : عن عبد الله ابن مسعود قال : سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم اي الذنب اكبر ؟قال : ان تجعل لله ندا وهو خلقك قال ثم اي ؟ قال : ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك قال ثم اي ؟ قال : ان تزاني حليلة جارك قال عبد الله : وانزل الله تصديق دلك " وللدين اخر 68 الفرقان أورده ابن كثير في تفسيره ( 3/ 326 ) والقرطبي في تفسيره ( 7/ 4952 ) والواحدي في أسباب النزول (ص 192 ) والحديث في الصحيحين البخاري ومسلم وأصحاب السنن .
وهنا قد يسال سائل : أبعد كل هذه الصفات لعباد الرحمن ننفي عنهم هذه الصفة لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ .. 68 " (الفرقان )
وهم ما اتصفوا بالصفات السابقة الا لأنهم مؤمنون بالآله الواحد سبحانه ؟
قالوا : هذه المسالة عقيدة وأساس لابد للقرآن ان يكررها ويهتم بالتأكيد عليها .
ومعنى : " لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر ... 68 " ( الفرقان )
أي : لا يدعون أصحاب الأسباب لمسبباتهم وهذا هو الشرك الخفي ومنه قولهم : توكلت على الله وعليك فنقول له انتبه ليس على شئ الأمر الأمر كله على الله فقل : توكلت على الله وأردت فقل : ثم عليك (1) أخرج ابن ماجه في سننه (2117) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال صلي الله عليه وسلم : " ادا حلف أحدكم فلا يقل : ما شاء الله وشئت ولكن ليق : ما شاء الله ثم شئت " .
ونسمع آخر يقول للأمر الهام : هذا علي والباقي على الله فجعل الأصل المهم لنفسه وأسند الباقي لله أيليق هذا والمسألة كلها أصلها وفروعها على الله ؟
اذن : يمكن أن تكون هذه الآية للمفتونين في الأسباب الذين ينتظرون منها العطاء وينسون المسبب سبحانه وهذا هو الشرك الخفي .َ
ثم يقول سبحانه :
" وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... 68 " ( الفرقان )
سبق أن تحدثنا عن الفرق بين الموت والقتل وقلنا :
أن كليهما تذهب به الحياة لكن في الموت تذهب الحياة أولا ثم تنقض البنية بعد ذلك أما في حالة القتل فتنقض البنية أولا ثم يتبعها خروج الروح فالموت – اذن – بيد الله عز وجل أما القتل فقد يكون بيد البشر .
وهنا نهي صريح عن هذه الجريمة : لأنه " ملعون من يهدم بنيان الله " ويقضي على الحياة التي وهبها الله تعالى لعباده .
وقوله تعالى :" إِلَّا بِالْحَقِّ .... 68" ( الفرقان )
أي : حق يبيح القتل كرجم الزاني حتى الموت وكالقصاص من القاتل وكقتل المرتد عن دينه فان قتلنا هؤلاء فقتلهم بناء على حق أستوجب قتلهم .
فان قال قائل : فأين حرية الدين اذن ؟ نقول : أنت حر في أن تؤمن أو لا تؤمن لكن أعلم أولا انك أن ارتددت عن إيمانك قتلناك فإياك ان تدخل في ديننا الا بعد اقتناع تام حتى لا تعرض نفسك لهذه العاقبة .
وهذا الشرط يمثل عقبة وحاجزا أمام من أراد الايمان ويجعله يفكر مليا قبل أن ينطق بكلمة الايمان ويحتاط لنفسه
اذن : فربك عز وجل ينبهك أولا ويشترط عليك وليس لأحد بعد ذلك أن يقول : أين حرية الدين ؟
وقوله تعالى :" وَلَا يَزْنُونَ ... 68 " ( الفرقان ) تحدثنا عن هذه المسألة في أول سورة النور وقلنا : أن الانسان الذي كرمه الله وجعله خليفة له في ارضه أراد له الطهر والكرامة وأن يسكن الدنيا على مقتضى قانون الله فلا يدخل في عنصر الخلافة شيئا يخالف هذا القانون لأن الله تعالى يريد أن يبني المجتمع المؤمن على الطهر ويبنيه على عناية المربي بالمربي .
لذلك تجد الرجل يعتني بولده مطعما ومشربا وملبسا ويفديه بنفسه لماذا ؟ لأنه ولد من صلبه ومحسوب عليه اما ان شك في نسب ولده اليه فانه يهمله وربما فكر في الخلاص منه و أن ربى مثل هذا لقيطا لا أصل له وهذا لا يصلح لخلافة الله في أرضه ولا لأن يحمل هذا الشرف .
وهذا يدل على أن الفطرة السليمة تأبى أن يوجد في كون الله شخص غير منسوب لأبيه الحق من هنا نهى الاسلام عن الزنا وجعل من صفات عباد الرحمن أنهم لا يزنون .
" وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) " الفرقان أثاما مثل : نكالا وزنا
ومعنى : والآثام : عقوبة الاثم والجزاء عليه .