يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) "

 

قوله :" " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)"الشعراء فأتى بالمسالة التي تشغل الناس جميعا فكل انسان يريد ان يكون غنيا صاحب مال وأولاد وعزوة ومن حرم واحدة منهما حزن وال اشد الالم .

والحق تبارك وتعالى يقول :

 

" الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46)" الكهف

 

 ويقول سبحانه :

" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14)" آل عمران

 

 نعم هي زينة الحياة الدنيا ومعنى الزينة : الحسن غير الذاتي فالحسن قد يكون ذاتيا في الجوهر كالمراة التي تكون جميلة بطبيعتها التي خلقها اله عليها دون ان تتكلف الجمال او الزينة الظاهرة من مساحيق او ذهب او خلافه لذلك سموها في اللغة ( الغانية ) وهي التي استغنت بجمالها الطبيعي الذاتي عن ان تتزين بائ شئ اخر .

وقوله :" " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) " الشعراء

يعني : مع ان المال والبنين زينة الحياة الدنيا فهذا لا يمنع نفعهما لصاحبهما ان أحسن التصرف في ماله فأنفقه في الخير وأحسن تربية أولاده التربية الصالحة لكن هذه ايضا لا تصفو له ولا تستقيم الا اذا " "  أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) "

الشعراء يعني : توفر له الإخلاص في هذا كله والا  فالرياء يحبط العمل ويجعله هباء منثورا ان كنت تفعل الخير في اللدنيا ولا تؤمن بالله ولاتنزهه سبحانه عن الشريك فلن ينفعك عملك ولن يكون لك منه نصيب في ثواب الاخرة .

كما قال تعالى :

" وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) " الفرقان

 

 وفي الحديث القدسي :" .. فعلت ليقال وقد قيل ... " (1)(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1905 ) واحمد في مسنده ( 2/ 322 ) والترمذي في سننه (2382 ) من حديث آبي هريرة رضي الله عنه قال الترمذي : حديث حسن غريب وهو حديث طويل شرحه الشيخ رحمه الله في الأحاديث القدسية ( 1/ 135 – 151 ) فعلت ليقام لك حفل تكريم وقد أقيم لك فعلت لتاخذ نيشانا وقد أخذته فعلت ليكتب اسمك على باب المسجد وقد كتب اذن : انتهت المسالة .

 

فقوله تعالى "  " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)"الشعراء

 

لا ينفي نفع المال والبنين فهي نافعة شريطة ان تأتي الله بقلب سليم والسلامة هنا تهني : ان يظل الشئ على حاله وعلى صلاحه الذي خلقه الله عليه لا يصيبه عطب في ذاته فيؤدي مهمته كما ينبغي .

فكأن السلامة توجد أولا ونحن الذين نفسد هذه السلامة .

ومن ذلك قوله تعالى :

 

" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) " البقرة

 

لذلك لو تأمل الناس فيما يتعبهم في الحياة لوجدوا انه ثمرة إفسادهم في الكون المنظم الذي خلقه الله على مقتضى حكمته تعالى بدليل ان كل حركة في الكون لا يتدخل فيها الانسان تراها مستقيمة منتظمة لا تتخلف فان تدخل الانسان وجد الفساد ووجد الظلم للغير حتى للنبات وللجماد وللحيوان وقد نهانا الشارع الحكيم عن هذا كله .

هذا ان تدخل الانسان في الكون على غير مقتضى منهج ربه فان تدخل على هدى من منهج الله استقامت الامور وتحققت السلامة .

الا ترى قوله تعالى في سورة الرحمن :

 

" الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) " الرحمن

 

 لذلك تجد كل الشئ في الكون موزونا بقدر وبحكمة : الشمس والقمر والنجوم والهواء والماء .. الخ وكل عناصر الكون هذه تسير مستقيمة في منظومة الكون المتكاملة لماذا ؟ لانه لا دخل للإنسان فيها .

فمعنى القلب السليم : القلب الذي لا يعمر الا بما أراد الله ان يعمر به وقد ورد في الحديث القدسي :

 

" ما وسعتني ارضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن " (1) . (1) قال الملأ على القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص 206 دار الكتب العلمية ببيروت ذكره في الأحياء وقال العراقي لم ار له أصلا وقال ابن تيمية هو مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف عن النبي صلي الله عليه سلم وفي الديل وهو كما قال : ومعناه : وسع قلبه الايمان بي وبمحبتي والا فالقول بالحلول وكفر وقال الزركشي : وضعه الملاحدة وانظر كشف الخفاء 2/ 273 والدرر المنتثرة للسيوطي ص 366 .

اذن : لاتزحم قلبك بما يشغله من أمور الدنيا واجعله خاليا لله منشغلا به فهده هي سلامة القلب لان القلب مفطور على هذا مطبوع عليه .. ساعة خلقه الله خلقه صافيا سليما من المشاغل لذلك يقول سبحانه

 

" وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ .. (78) "النحل لماذا ؟ " لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) " النحل

 

اذن : لا تاخد المال والبنين منفصلين عن سلامة القلب لان ربك يقول

 

 " وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)" الكهف

 

وفي اية

 " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ..(14) " آل عمران

 

ختمها الحق سبحانه بقوله

 

 "  ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) " آل عمران

 

 ومن سلامة القلب ان يخلو من الشرك وان خلو من النفاق لان المنافق يؤمن بلسانه ولا يؤمن بقلبه فقلبه لا يوافق لسانه لذلك هو غير سليم القلب فكان اشد إثما من الكافر وجعله الله في الدرك الأسفل من النار .

المنافق اشد تعذيبا من الكافر لان الكافر مع كفره هو منطقي مع نفسه حيث كفر بقلبه وبلسانه ونطق بما يعتقده اما المنافق فقد غشنا وحسب علينا ظاهرا ومنهم من كان يصلي خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصف الأول وهو في حقيقة الامر من الطابور الخامس داخل صفوف المسلمين .

وكذلك الرياء ينافي سلامة القلب فالمرائي يعمل للناس ولا يعمل لله ونعجب حين نرى من يقدم الجميل رياء وسمعة ثم يتهم من أسدى اليه الجميل بأنه ناكر للجميل نقول له : لمادا تتهمه وقد سبقته فانكرت جميل الله حيث لم تجعله على بالك حين فعلت الخير .

اذن فهدا جزاؤك جزاء وفاقا لانك ما فعلت الخير لله انما فعلته للعبد فانتظر منه الجزاء وصفقة المرائي خاسرة وتجارته بائرة لانه حين يعطي رياء يستفيد منه الآخذ ويخرج هو صفر اليدين كما قال سبحانه

 

" فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا َ.. (264) " البقرة

 

وبعد ذلك ترى الناس تكره المرائي وينكرون جميله في بناء مسجد او مستشفى أو مدرسة مثلا ولو عمل ذلك لله لأبقى الله ذكره بين الناس فحفظوا جميله واثنوا عليه بالخير .

ويروى ان السيدة فاطمة الزهراء دخل عليها سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فوجدها تجلو درهما في يدها فلما سألها عنه قالت : قد نويت ان اتصدق به فقال لها تصدقي به وهو على حاله فقالت : انا اعلم انه يقع في يد الله قبل ان يقع في يد الفقير والله طيب لا يقبل الا طيبا .