بسم الله الرحمن الرحيم

 

مدخل

بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين ..

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

خواطرى حول القرآن لا تعنى تفسيرا للقرآن .. وانما هى هبات صفائية .. تخطر على قلب مؤمن فى آية أو بضع آيات .. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر   .. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره  .. لأن عليه  نزل وبه إنفعل وله بلغ وبه علم وعمل .. وله ظهرت معجزاته . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اكتفى أن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التى تبين لهم أحكام التكليف فى القرآن الكريم وهى إفعل ولا تفعل  .. تلك الأحكام التى يثاب عليها الإنسان ان فعلها ويعاقب إن تركها  .. هذه هى أسس العبادة لله سبحانه وتعالى  .. التى أنزلها فى القرآن الكريم كمنهج لحياة البشر على الأرض ..

أما الأسرار المكتنزة فى القرآن حول الوجود ، فقد إكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بما علم منها .. لأنها بمقياس العقل فى هذا الوقت لم تكن العقول تستطيع أن تتقبلها ، وكان طرح هذه الموضوعات سيثير جدلا يفس قضية الدين ، ويجعل الناس ينصرفون عن فهم منهج الله فى العبادة الى جدل حول قضايا لن يصلوا فيها الى شىء والقرآن لم يأتى ليعلمنا أسرار الكون ، ولكنه جاء بأحكام التكليف واضحة وأسرار الوجود مكتنزة  .. حتى تتقدم الحضارات ويتسع فهم العقل البشرى ..

فيكشف الله سبحانه وتعالى من أسرار الكون ما يجعلنا أكثر فهما لعطاءات القرآن لأسرار الوجود ، فكلما تقدم الزمن وكشف الله للإنسان عن سر جديد فى الكون ظهر إعجاز فى القرآن  .. لأن الله سبحانه وتعالى قد أشار الى هذه الأيات الكونية فى كتابه العزيز .. وقد تكون الإشارة الى آية واحدة أو بضع آيات .. ولكن هذه الآية أو الآيات تعطينا اعجازا لا يستطيع العلم أن يصل الى دقته.

والقرآن الكريم حمل معه وقت نزوله معجزات .. تدل على صدق البلاغ عن الله سبحانه وتعالى .. وعن صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكانت أول معجزة أن القرآن كلام  الله .. فيه عطاء الله ما تحبه النفس البشرية ويستميلها ..

أنه يخاطب ملكاتن خفية فى النفس لا نعرفها نحن ولكن يعرفها الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان وهو أعلم به .. هذه الملكات تنفعل حتى تسمع القرآن فتلين القلوب ويدخل الإيمان اليها .. ولقد تنبه الكفار الى تأثير القرآن الكريم فى النفس البشرية  .. تأثيرا لا يستطيع أن يفسره أحد  .. ولكنه يجذب النفس الى طريق الإيمان ويدخل الرحمة فى القلوب.

لذلك كان أئمة الكفر يخافون أكثر ما يخافون .. من سماع الكفار للقرآن .. ويحاولون منع ذلك بأى وسيلة .. ويعتدون على من يتلو القرآن .. ولو أن هذا القرآن لم يكن كلام الله الذى وضع فيه من الأسرار ما يخاطب ملكات خفية فى النفس البشرية .. ما أهتم أئمة الكفر أن يستمع أحد للقرآن أو لا يسمع .. ولكن شعورهم بما يفعله كلام الله .. جعلهم لا يمنعون سماع القرآن فقط .. بل قالوا كما يروى لنا القرآن الكريم

 

"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " 26 سورة فصلت

 

وهكذا نعرف أنه حتى أهل الكفر كانوا لا يمنعون سماع القرآن فقط .. بل يطلبون من أنصارهم أن يلغوا فيه ، ومعناها (يشوشرون عليه) .. ولا يمكن أن يكون هذا هو مسلكهم وتلك هى طريقتهم الا خوفا مما يفعله القرآن فى كسب النفس البشرية الى الإيمان .. إن مجرد تلاوته تجذب النفس الكافرة الى منهج الله .

ولو نأخذ مثلا قصة اسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. نجد أنه علم أن اخته فاطمة وزوجها ابن عمه سعيد بن زيد قد أسلما .. فأسرع اليهما ليبطش بهما وحاول أن يفتك بسعيد بن زيد .. فلما تدخلت زوجته فاطمة لحمايته .. ضربها حتى سال منها الدم .. وعندما رأى عمر الدم يسيل من وجه أخته فاطمة .. رق قلبه وحدث فى قلبه انفعال بالرحمة بدلا من انفعال الإيذاء .. فخرج العناد من قلبه وملأه الصفاء .. فطلب من أخته صحيفة القرآن التى كانا يقرآن منها .. وقرأ من أول سورة طه ثم  قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه .. ثم أسرع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن اسلامه .. ولذلك فإنه اذا خرج العناد والكفر من القلب .. واستمع الإنسان بصفاء الى القرآن دخل الإيمان الى قلبه .

لقد سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه القرآن قبل ذلك ولم يسلم .. ولكنه عندما رأى الدم يسيل على وجه أخته وتبدل انفعال الإيذاء فى قلبه بإنفعال الرحمة .. استقبل القرآن بنفس صافية فأمتلأ قلبه بالإيمان وأسرع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن اسلامه

 

ولذلك كان الكفار يحاولون إهاجة مشاعر الكفر فى القلوب حتى لا يدخلها القرآن .. لأنه لكى تستقبل الإيمان يجب أن تخلص قلبك من الكفر أولا .

وهكذا نرى أن القرآن الكريم لأنه كلام الله .. فان له تأثير خاصا فى النفس البشرية .. حتى ان الكفار كانوا يسترقون سماع القرآن من وراء بعضهم البعض .. وكانوا يقولون ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة .. وان أعلاه لمثمر ..وان اسفله لمغدق .. وانه يعلو ولا يعلى عليه .. وكان هذا أول اعجاز لأن القرآن هو كلام الله تبارك وتعالى .

ولقد وقف الصحابة والمؤمنون الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عطاء القرآن وقت نزوله فيما استطاعت عقولهم ان تطيقه من اسرار الكون .. ومن اسرار القرآن الكريم .. فلم نجد صحابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آيات الكون فى القرآن .. أو عن عطاءات القرآن فى اللغة .. فمثلا لم يسأل عن معنى " ألم" .. أو عن " عسق" .. أو "حم" .. مع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستقبل كثيرين يؤمنون بكتاب الله .. وكثيرين يكفرون بما انزل الله .. وكان هؤلاء الكفار يريدون ان يقيموا الحجة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وضد القرآن الكريم .. لم نسمع أن أحدا منهم .. وهم قوم بلغاء فصحاء عندهم اللغة ملكة وموهبة وليست صناعة .. لم نسمع أحدا من الكفار قال ماذا تعنى " ألم" .. أو "حم" .. أو "عسق ".

كيف يمر الكافر على فواتح السور هذه ولا يجد فيها ما يستطيع ان يواجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجادله .. لقد كانت هذه هى فرصتهم فى المجادلة .. ولا شك ان عدم استخدام الكفار لفواتح السور هذه .. دليل على انهم انفعلوا بها وان لم يؤمنوا بها .. ولم يجدوا فيها ما يمكن ان يستخدموه لهدم القرآن او التشكيك  فيه .. ولو ان هذه الحروف فى فواتح السور كانت تخدم هذدفهم  .. لقالوا للناس وجاهروا بذلك.

رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو  الذى عليه القرآن نزل – فسر وبين كل ما يتعلق بالتكليف الإيمانى .. وترك ما يتعلق بغير التكليف للأجيال القادمة .. ويمر الزمن ويتيح الله لعباده من أسرار آياته فى الأرض ما يشاء .. فيكون عطاء القرآن متساويا مع قدرة العقول .. لماذا ؟ لأن الرسالات التى سبقت الإسلام كانت محدودة الزمان والمكان .. أما القرآن الكريم فزمنه حتى يوم القيامة .. ولذلك فلابد ان يقدم اعجازا لكل جيل .. ليظل القرآن معجزة فى كل عصر .

والقرآن نزل يتحدى العرب فى اللغة والبلاغة .. ولكن لأنه دين للناس جميعا .. فلابد أن يتحدى غير العرب فيما نبغوا فيه .. ولذلك نزل متحديا لغير العرب وقت نزوله .. فقد حدثت حرب بين الروم والفرس وقت نزول القرآن .. وكانت الروم والفرس يمثلان فى عصرنا الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتى .. كانا اعظم واقوى دولتين فى ذلك العصر .. وحدثت الحرب بينهما وانهزم الروم .. واذا بالقرآن ينزل بقوله تعالى :

 

 

الم (!)غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)

                       سورة الروم

لو ان هذا القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذى يجعله يدخل فى قضية كهذه ؟ او يطلب احد منه ان يدخل فيها  .. وكيف يغامر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فى كلام متعبد بتلاوته الى يوم القيامة ولا يتغير ولا يتبدل . باعلان نتيجة معركة ستحدث بعد سنين .. وماذا كان يمكن ان يحدث لقضية الدين كله لو ان الحرب حدثت وانتصر الفرس مرة اخرى .. او ان الحرب لم تحدث وتوصل الطرفان الى صلح ؟ انها كانت ستضيع قضية الدين كله .. ولكن لأن الله سبحانه وتعالى هو القائل وهو الفاعل جاءت هذه الآية كمعجزة لغير العرب وقت نزول القرآن ..وحدثت المعركة فعلا وانتصر فيها الروم كما اخبر القرآن الكريم .

ولكن  القرآن لم ينزل معجزة لفترة محدودة .. بل هو معجزة حتى قيام الساعة .. والقرآن هو كلام الله ، والكون هو خلق الله .. ولذلك جاء القرآن يعطى اعجازا لكل جيل فيما نبغوا فيه .. اذا اخذنا العلوم الحديثة التى اكتشفت فى القرن العشرين واصبحت حقائق علمية .. نجد ان القرآن الكريم قد اشار اليها باعجاز مذهل .. بحيث ان اللفظ لا يتصادم مع العقول وقت نزول القرآن الكريم .. ولا يتصادم معها بعد تقدم العلم واكتشاف آيات الله فى الأرض .. ولا يقدر على هذا الأعجاز المذهل الا الله سبحانه وتعالى .. اقرأ مثلا قول الحق تبارك  سبحانه وتعالى:

 

وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7)

سورة ق

 

والمد معناه البسط .. وعندما نزل القرآن الكريم بقوله تعالى : "والأرض مددناها " .. لم يكن هذا يمثل مشكلة .. للعقول التى عاصرها نزول القرآن الكريم فالناي ترى ان الأرض ممدودة .. والقرآن الكريم يقول :"والأرض مددناها".. وتقدم العلم وعرف الناس ان الأرض كروية .. وانطلق الإنسان الى الفضاء ورأى الأرض على هيئة كرة .. هنا احست بعض العقول بأن هناك تصادمات  بين القرآن الكريم والعلم .. نقول لهم أقال الله سبحانه وتعالى أى أرض تلك المبسوطة؟.. لم يقل ولكنه قال الأرض على اطلاقها .. أى كل مكان على الأرض ترى فيه الأرض أمامك مبسوطة.

اذا نزلت القطب الشمالى تراها مبسوطة .. واذا كنت فى القطب الجنوبى تراها مبسوطة .. وعند خط الإستواء تراها مبسوطة .. واذا سرت من نقطة على الأرض وظللت  تسير الى هذه النقطة فالأرض أمامك مبسوطة .. ولا يمكن ان يحدث هذا ابدا الا اذا كانت الأرض كروية .. فلو ان الأرض مثلثة او مربعة  او مسدسة .. او على  اى شكل هندسى أخر .. لوصلت فيها الى حافة ليس بعدها شىء .. ولكن لكى تكون الأرض مبسوطة أمامك فى اى مكان تسير فيه لابد ان تكون على هيئة كرة.

هذا الإعجاز الذى يتفق مع قدرات العقول .. وقت نزول القرآن الكريم .. فاذا تقدم العلم ووصل الى حقيقة لما يعتقده الناس .. تجد ان آيات القرآن تتفق مع الحقيقة العلمية اتفاقا مذهلا .. ولا يقدر على ذلك الا الله سبحانه وتعالى .

ولو ان النبى صلى الله عليه وسلم تعرض لهذه الآيات الكونية تعرضا لا يتناسب مع استعدادات العقول وقت نزول القرآن .. فانه ربما صرف العقول عن اساسيات الدين الى جدل فى اسرار كون لا يستطيع العقل ان يستوعبها او يفهمها .. ولكن الحق تبارك وتعالى ترك فى الكون أشياء لوثبات العقول فى العلم .. بحيث كلما تقدم العلم وجد خيطا يربط بين آيات الله فى الكون وآياته فى القرآن الكريم  ..ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر كونيات القرآن وقت نزوله لجمد القرآن ..لأنه لا احد منا يستطيع ان يفسر بعد تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وبذلك يكون عطاء القرآن قد جمد..ولكن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم للتفسير أتاح الفرصة لعطاءات متجددة للقرآن الكريم الى قيام الساعة .. وهكذا كان المنع هو عين العطاء  .. وهذه معجزة أخرى من اعجاز القرآن الكريم

كلمة قرآن ساعة تسمعها تفهم انه يقرأ .. قرآن مصدر قرأ مثل غفر غفرانا .. ولكن بعد نزول القرآن الكريم أصبح لفظ قرآن اسما بكلام موحى به من الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقصد التحدى ..ويسميه الله  تبارك وتعالى  كتاب  .. اذن هو قرآن اذا اخذنا انه يقرأ .. وهو كتاب اذا اخذنا انه يكتب .. والقراءة تستلزم حافظا والكتابة لا تستلزم حافظا .. فالإنسان حين يقرأ من كتاب ليس محتاجا الى الحفظ ، ولذلك فللقرآن وسيلتان من وسائل التلاوة . يحفظ فى الصدور ويسجل فى السطور .. بحيث تستطيع فى اى وقت ان تقرأ من الكتاب .

وحين بدأ تدوين القرآن الكريم كتابة كان لا يكتب منه آية الا اذا كانت مكتوبة على جذوع النخل او الجلود .. او اى وسيلة اخرى من وسائل الكتابة فى عصر نزول القرآن .. وزيادة على ان الآية تكون مكتوبة ..كان لابد ان يكون هناك اثنان على الأقل من الصحابة الحافظين لها .. إلا آية واحدة لم توجد مكتوبة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا عند حافظ واحد فقط وكان القياس يقتضى الا تكتب وهى قوله سبحانه وتعالى

 

" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)                 سورة الأحزاب

ولكن انظر الى الخواطر الإيمانية يقذفها الحق سبحانه وتعالى فى قلوب المؤمنين ليكمل منهجه .. هذه الآية لم يوجد من يحفظها الا خزيمة بن ثابت ، وعندما ثار الجدل حول تدوينها ، ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم Lمن شهد له خزيمة فحسبه)رواه البخارى واحمد والنسائى والترمذى وقال :حسن صحيح

عن زيد بن ثابت قال :لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت  اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد الا مع خزيمة بن ثابت الأنصارى رضى الله عنه الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين (من المؤمنين رجال  ......)

 

وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد أعطى خزيمة بن ثابت وحده نصاب شهادة رجلين ... وهذه لها قصة ...ان رسول الله صلى الله عليه وسلم  ابتاع فرسا من اعرابى .. فاستتبعه النبى صلى الله عليه وسلم ليعضيه ثمن الفرس .. فأسرع رسول الله  صلى الله عليه وسلم المشى .. وابطأ الأعرابى فطفق رجال (اى اخذ رجال ) يعترضون الأعرابى ليساوموه فى الفرس دون ان يعرفوا ان النبى صلى الله عليه وسلم قد ابتاعه .. فنادى الأعرابى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال :ان كنت مبتاعا هذا الفرس والا بعته .. اى هل تريد شراء الفرس او ابيعه ؟

فقال النبى صلى الله عليه وسلم :اوليس ابتعته منك ؟ ....فقال الإعرابى ما بعته (اى ما بعته لك ) ..فقال النبى صلى الله عليه وسلم :بل قد ابتعته منك ...فقال الأعرابى هلم شهيدا ..اى ائتنى بشاهد..فقال خزيمة بن ثابت انا اشهد انك بايعته (اى بعته له).

وبعد ان انصرف الناس ..اقبل النبى صلى الله عليه وسلم على خزيمة...

فقال : بم تشهد؟ .. (اى كيف شهدت على هذا ) .. ولم تكن موجودا وقت المبايعة بينى وبين الأعرابى .فقال خزيمة :بتصديقك يا رسول الله ..(اى هل نصدقك فى كل ما تأتينا به من خبر السماء ونكذبك فى هذه؟..فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .. فأخذت شهادته بشهادة رجلين وتم تدوين الآية .. وكان خزيمة يدعى ذو الشهادتين .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجاز شهادته بشهادتين . من سير اعلام النبلاء . الجزء الثانى . ص 486 واسناده صحيح

اذا أردنا ان نعرف القرآن ..فإنه لابد ان يخرج عن مقاييس البشر ..فالناس حين يعرفون الأشياء يقولون : حده كذا ..ورسمه كذا ..الى اخره ..ولكن كى نعرف القرآن الكريم نقول ان القرآن هو ابتداء من قوله تعالى :

 

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ(1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)

                                فاتحة الكتاب

الى ان نصل الى قوله

 

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1) مَلِكِ النَّاسِ(2) إِلَهِ النَّاسِ(3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ(6)

سورة الناس

 

اى انه من اول سورة الفاتحة ..الى اخر سورة الناس .. على ان نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ..قبل ان نقرأ اى آية من القرآن الكريم ..كما علمنا الحق سبحانه وتعالى فى قوله :

 

 

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98)

سورة النحل

لكن العلماء ارادوا التخفيف على الناس فى تعريف القرآن الكريم ..فقالوا هو كلام الله .. نزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقصد التحدى والإعجاز ليبين للناس منهج الله . والقرآن يتفق مع المناهج التى سبقته ، ولكنه يضيف عليها ويصحح ما حذف منها لأنه موحى به من الله ..فالتوراة والإنجيل والزبور من الله .. ولكنها تحمل المنهج فقط .. اما القرآن الكريم .. فهو المنهج والمعجزة الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

التوراة كانت منهج موسى وكانت معجزته العصى .. والإنجيل منهج عيسى ومعجزاته ابراء الأكمه والأبرص بإذن الله ..اذا بالنسبة للرسل السابقين ..كانت المعجزة شيئا والمنهج شيئا أخر، ولكن القرآن تميز أنه المنهج والمعجزة معا .. ذلك ان المناهج التى ارسلها الله على الرسل السابقين انزلها على نية تغيرها..

ولكن القرآن الكريم ..نزل على نية الثبات الى يوم القيامة . ولذلك كان لابد ان يؤيد المنهج بالمعجزة حتى يستطيع اى واحد من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ان يقول محمد رسول الله وتلك معجزاته ..ولكن معجزات الرسل السابقين حدثت وانتهت لأنها معجزات حسية ..من رآها آمن بها .. ومن لم يرها فهو غير مقصود بها .لأنها حدثت لتثبيت المؤمنين..الذين يتبعون الرسول .. فمعجزة عيسى عليه السلام لا يمكن ان تعود الأن من جديد..وعصى موسى التى شقت البحر لا يستطيع اتباع موسى ان يأتوا بها الأن ليقولا هذه معجزته..

اذا فالرسل السابقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان لكل منهم منهج ومعجزة . ولكن كليهما منفصل عن الأخر ..فالمنهج عين المعجزة حالة مفقودة فى الرسالات كلها .. ولكنها فى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أمر موجود يمكن ان يشار اليه فى اى وقت من الأوقات ..

ونظرة واحدة فيما قال الله سبحانه وتعالى فى كونيات الحياة التى اتيحت للعقل البشرى فى القرن العشرين .. نجد ان القرآن الكريم يشير اليها لأن العمر فى الرسالة القرآنية الى قيام الساعة .. ومادام الى ان تقوم الساعة .. يظل القرآن معجزة حتى قيام الساعة ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)

سورة فصلت

 

اى ان القرآن له عطاءان فى الإعجاز .. العطاء الأول آيات فى الآفاق ، وهذه هى الآيات الكونية..والعطاء الثانى "آيات فى انفسهم" وهذه هى الآيات التى تتعلق باسرار الجسد البشرى..وقول الحق " حتى يتبين لهم انه الحق" اى  ان القرآن هو الحق ولذلك يمكن ان تقول ان آيات الكون ستأتى موافقة لآيات القرآن الكريم ..اى ان الله سبحانه وتعالى وضع فى القرآن الكريم من آيات الكون واسراره وعن الجسد البشرى وتكوينه آيات يمكن ان يعطيها المؤمنين وغير المؤمنين..

ولقد اعطى الله تبارك وتعالى من آيات الكون المؤمنين .. فبرع المسلمون الأوائل فى العلوم .. مثل جابر بن حيان الذى وضع اساس علم الكيمياء ..وابن سيناء الذى وضع اساس علم الطب والفلك والرياضيات..وابن النفيس الذى اكتشف الدورة الدموية ووصفها وصفا علميا دقيقا ..وابن الهيثم الذى برع فى الرياضيات والطبيعيات والطب وكان اول من شرح تركيب العين وكيف تعمل وابوالقاسم الذى نبغ فى العمليات الجراحية وغيرها.

ثم اعطى الله سبحانه وتعالى من آيات الكون غير المؤمنين بما تشهده الأن من نهضة علمية فى دول الغرب ..وذلك يفسر قوله تبارك وتعالى : " حتى يتبن لهم انه الحق" اى ان آيات الكون .. ستجعل المنكرين للقرآن الكريم يعترفون انه الحق .. ذلك ان المؤمن يعرف ان القرآن هو الحق .. ولكن المنكر لفسلام يكشف الله له آية فى أمر معجز .. يبين له ان هذا الدين حق . ولقد حدث اخيرا فى مؤتمرات الإعجاز العلمى للقرآن الكريم ان اعلن عدد من العلماء اعتناقهم للدين الإسلامى.

واذا اردنا ان نعرف شيئا عن معجزة القرآن فانظر ماذا قال عن الكون وكروية الأرض ودورانه حول نفسها .. وما يحدث فى اعماق البحار وغير ذلك مما لا يكتشف الا فى القرن العشرين ..واذا اردنا ان نعرف الإعجاز فى القرآن فى قوله "وفى انفسهم"فلننظر الى مراحل تكوين الجنين ومراكز الأعصاب فى الجسد البشرى وتكوين الأذن والعين وغير ذلك من اعجاز لا يمكن ان يتحدث عنه بهذه الدقة الا خالقه .. وهذا ما شهدوا به علماء نبغوا فى علومهم بينما هم منكرون للإسلام وللقرآن ! وهذه الحقائق العلمية التى اشار اليها القرآن لا يستطيع احد ان ينكرها الأن لأنها  اصبحت ثابتة الوجود.

والقرآن حين يتحدى فانه لا يمكن ان يأتى بمعجزة لا يعرف عنها الخلق شيئا فانت لاتتحدى كسيحا فى سرعة المشى .. ولا شيخا كبيرا ضعيفا فى حمل الأثقال .. ولكنك اذا تحديت فلابد ان تتحدى مجموعة من الناس فيما نبغوا فيه  ولذلك اذا قلنا ان القرآن جاء يتحدى العرب فى اعجاز الأسلوب واللغة ..فهذه شهادة للعرب انهم نبغوا فى دنيا الكلمة..وهنا عندما يغلبهم القرآن ويعجزهم يكون هذا هو التحدى ..تحد فيما نبغوا فيه وتفوقوا فيه ..ولذلك كان لابد ان يكون العرب عندهم نبوغ فطرى فى الكلمة .. ويكون الأداء الجيد المميز للكلمة مألوفا لديهم شعرا ونثرا وخطابة .

 

وحين جاء القرآن الكريم يتحدى غير العرب .. تحداهم فى آيات الكون والخلق ولذلك نجد مثلا قول الحق سبحانه وتعالى عن اصحاب النار

 

 

 

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56)

سورة النساء

هذه الآية الكريمة عندما نزلت فهمت بأنه كلما احترقت الجلود تجددت ، وعندما توصل العلم الحديث الى ان مراكز الأعصاب موجودة تحت الجلد بحيث انه اذا احترق الجلد ضاع الإحساس بالألم ، كانت هذه معجزة جديدة للدنيا فى عصرنا .. يريد بعض الناس ان يتخذ العلم الها من دون الله . وهكذا كان الإعجاز المتجدد الذى يجعل القرآن معجزة خالدة .. وهذا دليل جديد على ان القرآن من عند الله وانه كلام الله .

 

نأتى بعد ذلك الى معجزة اخرى فى اختيار رسول الله عليه الصلاة والسلام واعداده للرسالة .. اننا اذا تتبعنا حياة رسول الله صلى الله عليه نجد ان الله تبارك وتعالى اختاره أميا لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك اجرى عليه معجزات كلها تنطق بصدق رسالته صلى الله عليه وسلم .. أولها انه لم يشتهر عليه الصلاة والسلام انه نبغ فى شعر او نثر مثل قيس بن ساعدة واكثم بن صيفى..ومن هنا كان حظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاغة حظا عاديا دون نبوغ

 

ومع ذلك فقد جاءت رسالته عليه الصلاة والسلام تتحدى قومه فى البلاغة وفى اللغة . ولو انه صلى الله عليه وسلم كان مشهورا بالشعر او النثر او الخطابة لقالوا ان القرآن عبقرية ادائية لمواهب كانت موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الصغر .. ومواهب الناس عادة كانت تظهر قبل سن العشرين او الثلاثين اذا كانت المواهب متأخرة  ، ولكنها لا تظهر فجأة على الإنسان فى سن الأربعين ، ولا توجد عبقرية تتأخر ابدا حتى الأربعين .. ولكن الناس فوجئوا بأن محمدا عليه الصلاة والسلام الذى ما خطب ولا كتب وما قال شعرا يأتى بقرآن يعجز عنه أشهر البلغاء ..

واكثرهم موهبة فى فن الكلام .. من اين اتى بهذا الكلام المعجز الذى تحدى به الإنس والجن وهو فى هذه السن ؟!

بعض الناس يدعون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده الإعجاز اللغوى ..وأخفاه عن الناس حتى سن الأربعين وبعد ذلك اظهره .. نقول ان هذا الكلام  لا يتفق مع العقل .. لأننا نعيش فى عالم اغيار يموت فيه الناس قبل سن العشرين وقبل سن الثلاثين وقبل سن الأربعين ..فمن الذى اخبر محمدا عليه الصلاة والسلام انه لن يموت قبل سن الأربعين حتى يكتم هذه العبقرية الى هذه السن .. لقد مات ابوه وهو فى بطن امه .. وماتت امه وهو طفل صغير .. هذه  المقدمات لا يمكن ان توحى الى محمد عليه الصلاة والسلام ان يكتم عبقريته عن الناس حتى يصل الى هذه السن ، لأن اباه وامه قد ماتا وهو طفل صغير .

 

ولذلك عندما جاء الكفار وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يغير القرآن كما يروى لنا القرآن الكريم فى قوله تعالى:

 

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)

سورة يونس

ولو ان القرآن من عند محمد عليه الصلاة والسلام ربما بدله حتى يؤمن من كفر ، ولكن الحق سبحانه وتعالى يعلم رسوله صلى الله عليه وسلم ليرد عليهم بالحجة البالغة:

 

 

 

قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16)

 

سورة يونس

الله سبحانه وتعالى يعلم رسوله الكريم ان يرد على الكفار انه عاش معهم اربعين سنة قبل الرسالة .. لم يشتهر بينهم بالخطابة والشعر او البلاغة .. فلو انهم فكروا بعقولهم لعرفوا ان هذا القرآن ليس من عند رسول الله  ، بل من عند الله . ثم من الذى ينب اليه الكمال فيرفضه ؟.. ويقول ليس من عندى .. مع ان الناس تدعى كمالات الغير..فكم من انسان رأى اعجاب الناس بعمل من الأعمال .. لم يعرف صاحبه فنسبه الى نفسه .. بل ان الناس تتصارع  على نسب الأشياء الجيدة لنفسها .. وكم رأينا نزاعا امام القضاء بين اشخاص مختلفين كل منهم يدعى ملكيته لعمل جيد.

 

ثم نأتى لفتة اخرى : رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لم يقرأ ولم يكتب ..هل يمكن ان تكون له ثلاثة اساليب متميزة تختلف بعضا عن بعض تماما .. وهى اسلوب القرآن الكريم واسلوب الأحاديث القدسية واسلوب الأحاديث النبوية.. لا توجد عبقرية فى الدنيا من يوم ان خلقت الى يومنا هذا لها ثلاثة اساليب لكل منها طابع مميز لا يتشابه مع الأخر...كيف يمكن ان يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم بين القرآن الكريم والحديث القدسى والحديث النبوى .. بحيث يعطى كلا منها طابعا واسلوبا يميزه عن الأخر..

 

 

ان لكل شخص اسلوبه الذى يتميز به .. وانت اذا كنت مطلعا فى علوم اللغة والأدب .. فبمجرد ان تقرأ الكلام تقول هذا كلام فلان ، لأن لكل شخص منا اسلوبا يميزه .. فكيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقسم كلامه .. فيقول هذا قرآن وهذا حديث قدسى وهذا حديث نبوى؟؟؟

اذن فاختلاف القرآن الكريم والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية .. اكبر دليل على ان القرآن والأحاديث القدسية ليست من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ..لأن الشخصية الأسلوبية لأى انسان هى شخصية مميزة .. ولا يمكن ان ينفعل احد باحداث الحياة .. فيكتب كل مرة باسلوب مختلف تماما عن الأسلوب  الأخر .. او يكتب اليوم باسلوب وغدا باسلوب وبعد غد باسلوب .. ثم يعود بعد ذلك الى الأسلوب الأول .. انه اذا قرأ احدهم القرىن نقول هذا قرآن ، وان تلا احدهم حديثا قدسيا  نقول هذا حديث قدسى .. واذا قال احدهم حديثا نبويا قلنا حديث نبوى .. ولكل انسان منا شخصية اسلوبية واحدة .. اذا حاول ان يخرج منها فانها تغلبه .. والفروق الهائلة فى الأساليب بين القرآن والأحاديث القدسية والنبوية أكبر دليل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

واحتار الكفار ماذ1 يفعلون .. ولم يجدوا ثغرة من منطق ينفذون منها .. فماذا  قالوا ؟ .. قالوا ساحر !! وكان الرد ببساطة ان المسحور ليست له ارادة مع الساحر .. بحيث يستطيع دفع السحر عن نفسه ، وان الساحر يسحر من امامه رغما عن ارادتهم...فاذا كان محمد صلى الله عليه وسلم ساحرا فلماذا لم يسحركم انتم  حتى تؤمنوا به .. وباى شىء رددتم السحر عن انفسكم ؟؟

اد ادعاءكم هذا يكذب حجتكم لأن كونكم الأن جالسين تقولون ساحر فمعنى ذلك انه لم يسحركم .. ولو كان ساحرا حقيقيا لأجبركم بسحره على ان تتبعوه .

وقالوا مجنون .. نقول لهم الجنون عمل بغير رتابة .. بمعنى انك لا تستطيع ان تتنبأ بما يفعله المجنون فى اللحظة القادمة . فقد يجلس يتحدث معك وبعد دقيقة واحدة يضربك .. وتجده يبكى وبعد ثوان قليلة يضحك .. ورد تبارك وتعالى عليهم :

 

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ(3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)

سورة القلم

 

 

والشهادة من الله بان رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم .. لا يتصادم مع ما يعرفه الكفار عنه قبل الرسالة .. فهو بشهادتهم كان معروفا بالصدق والأمانه والخلق الحسن وكانوا يلقبونه بالأمين .. وكانوا يأمنونه على اموالهم وكل شىء له قيمة  .. ولتعرف كيف يتناقض الكفار مع انفسهم نقول لهم كيف تأتمنون انسانا مجنونا

على اغلى ما تمتلكون .. هل هذا يتمشى مع العقل .. ايذهب الإنسن بأغلى ما عنده ويضعه عند رجل مجنون ؟..طبعا مستحيل لا يمكن ان يكون المجنون على خلق عظيم .

وقالوا شاعر وكاهن.. فرد القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى: 

 

 

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ(41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(42)

سورة الحاقة

وقولهم شاعر مردود عليه .. بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شعرا فى حياته .. والمواهب لا تأتى فجأة بل لابد ان تصقلها التجربة والخطأ .. تماما كالذى يقود السيارة .. عندما يبدأ لابد ان يكون معه انسان يعرف قيادة السيارة .. ويعلمه فيخطىء ويصيب .. ثم بعد ذلك يقود السيارة ..

ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت عنده ملكة الشعر ولا دربه احد عليه .. اما قولهم كاهن فالإنسان ينسى بمرور الوقت ، لذلك قيل اذا كنت كذوبا فكن ذكورا .

واذا اردنا ان نعرف الحقيقة فاننا نسأل الإنسان على فترات .. فان كان كاذبا فانه يتخبط فى اقواله .. ورسول الله صلى الله  عليه وسلم وهو امى لا يقرا ولا يكتب .. كان ينزل عليه الوحى بالأيات فيتلوها على اصحابه .. ثم يؤذن للصلاة بعد ذلك بساعات .. فيتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة.. الأيات التى نزلت عليه دون ان يتغير منها حرف واحد .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى :

"قليلا ما تذكرون " .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يأتى بالقرآن من عنده لنسى ولغير وبدل .. لأن الذاكرة لا يمكن ان تستوعب بنفس الألفاظ ما قالته. ولو انك جئت بانسان وطلبت منه ان يتحدث فى موضوع معين وسجلته  له .. ثم طلبت منه ان يعيد بعد نصف ساعة ما قاله .. لا يمكن ان يأتى بنفس الكلام او بنفس الألفاظ او بنفس الترتيب.

 

والحق سبحانه وتعالى يعطى رسله منهجه بالوحى .. ويكون عطاؤه غيبيا لأن الله غيب .. فالله سبحانه وتعالى يقول :

 

 

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ(51)

سورة الشورى

وذلك لأن التكوين البشرى لا يمكن ان يستقبل من الله مباشرة .. والوحى اعلام بخفاء ، ولكى نقرب المعنى من الأذهان .. نقول انك لو كنت لا تريد ان تقابل ضيفا ثقيلا فانك تتفق مع خادمك على اشارة معينة .. فاذا جاء واخبرك امام الحاضرين بان فلان وصل .. تعطيه اشارة فلا يدخل الى المنزل .. هذه الإشارة المتفق عليها .. لايفهمها احد من الحاضرين ولا يعرف معناها ..

هذا هو معنى الوحى اعلام بخفاء .. لا يفهمه احد الا الموحِى ومن يوحَى اليه .. والوحى مادام اعلاما بخفاء فانه يقتضى موجها .. وموحَى اليه وموحَى به ..

 

ولقد اوحى الله للرسل واوحى الى غير الرسل .. فاوحى للملائكة والى ام موسى والى الحواريين وللنحل وللأرض .. وهناك وحى من الشيطان لأوليائه هذا هو الوحى اللغوى .. اما الوحى الشرعى فيكون وحيا من الله لرسله .وكان وحى الله لموسى عليه السلام ان كلمه من وراء حجاب .. وكان وحى الحق جل جلاله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بان ارسل له جبريل عليه السلام .. ويجىء الملك بالوحى فيسمع رسول الله عليه الصلاة والسلام صلصلة الجرس تنبيها .. ويتم اللقاء بين جبريل والرسول فتتغير كيماويات جسد الرسول .. حتى انه حينما جاءه الوحى لامست ركبته الشريفة ركبة صحابى كان يجلس بجواره فاحس كأنها جبل .. واذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا الناقة .. فتنام او تبرك الناقة على الأرض ولا تستطيع السير .. وكانت لفتة اخرى من الله تبارك وتعالى .. انه لا تناقض مطلقا بين القرآن وبين العلم ..فاذا جاءت نظرية علمية تناقض القرآن الكريم .. فالقرآن على حق والنظرية على باطل .. وهناك نظريات اخفاها الله سبحانه وتعالى عنا .. ولكن اخفاءه لها لا يضرنا بشىء

فالشمس ينتفع بها كل الناس ولا يعلم حقيقتها أحد .. وكذلك الظواهر الكونية الأخرى .. فكل ما اخفاه الله عنا هو جهل لا يضر ولا يقلل انتفاعنا بالكون.

والقرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. ولقد حمل منهج الله للبشر ليحمى حركة الإنسان الإختيارية فى الكون .. ومادام الأنسان يلتزم حياته بالقرآن الكريم فانه يستمتع بالجمال فى الكون .. اما اذا خالفه فيكون الإنسان قد سعى الى شقائه . ولقد ظهرت الداءات والأمراض فى المجتمعات عندما خالف الإنسان منهج السماء ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى :

 

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً(82)

سورة الإسراء

 

لماذا قدم الله سبحانه وتعالى الشفاء على الرحمة .. لأن الرحمة تقى الناس من اى شر قادم ولكن لابد من الشفاء اولا .. وعندما نزل القرىن كانت الأمراض والداءات تملأ المجتمعات .. الظلم واكل حقوق الناس واستعباد الإنسان للأنسان وغير ذلك من امراض المجتمع .. فجاء الأسلام اولا ليشفى هذه الأمراض اذا اتبع منهجه .. ثم بعد ذلك تأتى الرحمة وتمنع عودة هذه الداءات . فاذا حدثت غفلة عن منهج الله .. جاءت الداءات والأمراض .. فاذا عدت الى صيدلية القرآن تأخذ منها الدواء يتم الشفاء .

 

"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"

طلب الله سبحانه وتعالى من كل مؤمن ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ..

قبل ان يقرأ القرآن .. اذن فالإستعاذة هى اول  التقاء.. بين المؤمن وبين بداية قراءته للقرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يقول :

 

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98)

سورة النحل

 

وواضح ان الآية الكريمة .. تطلب منا الإستعازة بالله من الشيطان قبل ان نقرأ القرآن .. ذلك أن كل مخلوق إذا اتجه الى خالقه واستعاذ به يكون هو الأقوى برغم ضعفه وهو الغالب برغم عدم قدرته .. لأن الله عندما يكون معك . تكون قدرتك وقوتك فوق كل قدرة واعلى من كل قوة .. لأنك جعلت الله سبحانه وتعالى فى جانبك . ونحن حين نقرأ القرآن لابد ان نصفى جهاز استقبالنا لحسن استقبال كلام الله .وفى هذه الحالة لا نفعل ذلك بقدراتنا نحن ولا بقوتنا .. ولكن بالأستعانة بقوة وقدرة الله .. لماذا ؟ لأن معوقات المنهج عند الإنسان المؤمن انما هى من عمل الشيطان.

وابليس يأتى دائما من الباب الذى يرى فيه المنهج ضعيفا .. فاذا وجد انسانا متشدد فى ناحية ياتى له من ناحية اخرى . فلو ان العبد المؤمن متشدد فى الصلاة .. يحافظ عليها ويؤديها فى اوقاته ، جاءه ابليس من ناحية المال . يوسوس له بالا يخرج الزكاة لأنها ستؤدى به الى الفقر .. ويوسوس له ان يأكل حقوق الناس ..مدخلا السرور الى نفسه بالوهم بأنه سيصبح غنيا آمنا مطمئنا على غده .. وهذا كذب

والحقيقة هى التى رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( ما نقص مال من صدقة )رواه احمد ومسلم والترمذى عن ابى هريرة وتتمه الحديث "وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا وما تواضع احد لله الا رفعه" والصدقة هى التى تكثر المال وتضع فيه البركة فيزداد وينمو .. والمال هو مال الله ينتقل من يد الى يد فى الدنيا .. ثم يموت الإنسان ويتركه..ولكن ابليس يستغل غفلة الناس عن هذه الحقيقة ليدفعهم الى المال الحرام .. فاذا كان الأنسان متشددا من ناحية المال .. جاءه من ناحية المرأة فيظل يزين له امرأة خليعة .. يوسوس له حتى يسقط فى الزنا .. وان كان قويا فى هذه النواحى  كلها .. زين له ابليس الخمر او مجلس السوء او النميمة ..المهم ان ابليس يظل  يدور حول نقط الضعف فى الإنسان ليسقطه فى المعصية .

ولذلك فان الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، انما تجعل الله سبحانه وتعالى يقوى نقط الضعف فيك . فلا يستطيع الشيطان ان ينفذ اليك وانت تقرأ القرآن ليضع فى رأسك هواجس تلهيك عن هذه القرأءة .. ذلك عطاء الله فى القرآن يساوى بين جميع الخلق .. فعطاء القرآن متساو ولكن كل انسان يأخذ قدر ايمانه .. فالقرآن يقرأ والناس تسمع ولكن هل يتقبل الجميع القرآ، تقبلا متساويا ؟ نقول لا ..فقد قال الله سبحانه وتعالى

 

ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم(16)

 سورة محمد

اى ان القرآن لم يؤثر فيهم .. ولكنه أثر فى المؤمنين الذين استمعوا اليه مصداقا لقوله جل جلاله :

 

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ(44)

سورة فصلت

فالقرآن عطاؤه للجميع ولكن المهم من يستقبله .. وكيف يستقبله عندما يتلى عليه .. والله سبحانه وتعالى يريدنا عندما نقرأ القرآن .. ان نبعد الشيطان عن انفسنا قبل ان يبعدنا هو عن منهج الله وعن آياته .. وبما اننا لا نرى الشيطان وهو يرانا .. ولا نعرف اين هو بينما هو يعرف اين نحن .. مصداقا لقوله تبارك وتعالى :

 

يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(27)

سورة الأعراف

فلابد ان تستعيذ بقوة تستطيع ان تقهر الشيطان وتدمره .الله سبحانه وتعالى طلب منا ان نستعيذ به وان نلجأ اليه لأنه هو القادر على ان يحمينا .. ويصفى قلوبنا ونفوسنا من همزات الشياطين فيحس استقبالنا للقرآن الكريم .. لأنه اذا صفيت نفسك لأستقبال القرآن .. فان آياته الكريمة تمس قلبك ونفسك وتكون لك هدى ونور

 

والشيطان قد قضى الله سبحانه وتعالى فى أمره فطرده من رحمته رجيما مبعدا .. والشيطان يعرف أن مصيره النار ويعتقد ان آدم هو السبب .. لأن بداية المعصية كانت رفض ابليس طاعة أمر الله فى السجود لآدم .. وقال كما يروى لنا القرآن الكريم .

 

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12)

سورة الأعراف

 

وكانت معصية ابليس فى القمة .. لأنه رد الأمر على الآمر .. وقال لن اطيع ولن اسجد لآدم لأننى خير منه .. هو من طين وانا من نار .. فكأنه لم يرض بحكم الله سبحانه وتعالى واراد ان يعدله . وهذه  معصية فى القمة.. جعلت الله تبارك وتعالى يطرد ابليس من رحمته .. ويصفه بأنه رجيم .. وذلك حتى نعرف ان مصيره النار وان الله لن يغفر له .

 

وبدأ ابليس بغواية آدم عليه السلام .. فآدم عاش فى جنة تعطيه مقومات حياته بلا تعب وبلا عمل .. وكان فى الجنة الوف الأشجار تعطى كل الثمرات وهى حلال لأدم وحواء يأكلان منها ما يشاءان .. ما عدا شجرة واحدة حرمها الله عليهما ..وكانت هذه الشجرة هى بداية الخطيئة ..بدأ ابليس يغرى آدم وحواء على المعصية .. كيف ؟ .. حاول اقناعهما بأن عدم الأكل من هذه الشجرة .. سيحرمهما من خير كبير .. واقرأ قول القرآن الكريم:

 

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20)

سورة الأعراف

 

وفى إغواء أخر:

 

"فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى(120)

سورة طه

 

وهكذا نعرف ان ابليس يأتى للإنسان من اكثر من زاوية .. لذلك كانت الزاوية الأولى هى ان هذه الشجرة من يأكل منه يكون ملكا او يكون خالدا .. وكان الأغواء الثانى ان هذه الشجرة تعطى لمن يأكل منها بجانب الخلود ملكا لا ينتهى .

 

إذا فإبليس يصور للإنسان .. ان ما منعه الله عنه هو الخير .. وانه لو عصى فسيحصل على المال والنفوذ .. لقد اكل آدم وحواء من الشجرة . فلم يخلدا ولم يأت لهما مُللك لا ينتهى . بل ظهرت عوراتهما وعرفا ان ابليس كان كاذبا .. وان الله سبحانه وتعالى بمنهجه وما ينهانا عنه انما كان يريد لهما الخير .

 

 

ولكن  الشيطان ياتى ويزين للانسان طريق الباطل .. ولو ان آدم كان قد حكم عقله لعرف كذب وسوسة ابليس.. فابليس كما يدعى كان يدل ادم على شجرة الخلد .. ولو ان هذه الشجرة كانت تعطى الخلد فعلا .. لما طلب ابليس من الله تبارك وتعالى ان يبقى على حياته الى يوم القيامة .. بل لأكل من الشجرة ونال الخلد.

 

ولكن ابليس دخل من ناحية الغفلة فى النفس البشرية ليوقع ادم فى المعصية .. وهو يدخل الى ابناء ادم من ناحية الغفلة ايضا . ولو ان ابناء ادم حكموا عقولهم وهم يعرفون ان هناك عداوة مسبقة بين ادم وابليس .. وان ابليس طلب من الله سبحانه وتعالى ان يبقيه الى يوم القيامة لينتقم من ادم واولاده باغوائهم على المعصية .. لوتنبهنا الى ذلك لأخذنا حذرنا .. وعندما تنكشف وسوسة الشيطان فانه يهرب

 

ابليس دخل الى ناحية الغواية بان اقسم بعزة الله .. وان الله عزيز لا يحتاج لخلقه ولا يضره سبحانه وتعالى من كفر ولا يزيد شيئا فى ملكه من آمن ..

استغل عزة الله فى استغنائه عن خلقه فقال كما يروى لنا القرآن الكريم

 

 

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)

سوءة ص

 

ولكن الحق تبارك وتعالى أخبرنا انه طرد ابليس من رحمته وسماه رجيما .حتى نعرف جميعا انه لن يدخل فى رحمة الله ابدا.

 

ابليس دخل الى غواية بنى ادم بعزة الله سبحانه وتعالى عن خلقه .. فلو ان الله اراد خلقه جميعا مهديين .. ما استطاع ابليس ان يتقدم ناحية واحد منهم .. واقرأ قوله سبحانه ..

 

إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين(4)

سورة الشعراء

 

اذن الله سبحانه وتعالى .. هو الذى اعطى للإنسان حق الإختيار ولو شاء لجعله مقهورا على الطاعة كباقى الخلق .. من نقطة الإختيار هذه . وقوله تبارك وتعالى :

 

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً(29)

سورة الكهف

 

اذا فالله سبحانه وتعالى بين لنا طريق الهداي وطريق المعصية .. ثم ترك لنا ان نختار طاعة الله ورحمته .. او معصية الله وعذابه .. ولم يعطنا الحق تبارك وتعالى هذا الإختيار الا فترة محدودة هى حياتنا فى الدنيا .. فعندما يحتضر الإنسان تخمد بشريته .. ويصبح لا اختيار له. كما ان الله جل جلاله لم يعطنا الإختيار فى كل احداث الدنيا .. بل اعطاه لنا فى المنهج فقط فى الطاعة او المعصية.

 

ولكى نتقى الشيطان فى حياتنا . شرح لنا القرآن الكريم كيف سيغوى ابليس بنى آدم .. واقرأ القرآن الكريم :

 

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)

سورة الأعراف

 

اى ان ابليس لا يجتهد فى اغواء من باع نفسه للمعصية .. وانطلق يخالف كل ما امر به الله .. فالنفس الأمارة بالسوء لها شيطانها.. وهى ليست محتاجة الى اغواء لأنها تأمر صاحبها بالسوء .. ولذلك فإن ابليس لا يذهب الى الخمارات وبيوت الدعارة ويبذل جهدا فى اغواء من يجلسون فيها ..لأن كل من ذهب الى هذه الأماكن ..هو من شياطين الإنس.. ولكن ابليس يذهب الى مهابط الطاعة واماكن العبادة .. هؤلاء يبذل معهم كل جهده وكل حيلة ليصرفهم عن عبادة الله ، ولذلك لابد ان ننتبه الى ان ابليس لم يقل لهم على الطريق المعوج..فالطريق المعوج بطبيعته يتبع الشيطان ..فابليس يريد اهل الطاعة .. ويزين لهم المعصية ويغريهم بالمال الحرام

 

القرآن الكريم يقول

 

ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)

سورة الأعراف

 

هذه هى جهات الغواية التى يأتى منها ابليس .. من بين ايديهم اى من امامهم وهذه هى الجهة الأولى ومن خلفهم اى من ورائهم وهذه هى الجهة الثانية ..وعن ايمانهم اى من اليمين وهذه هى الجهة الثالثة .. وعن شمائلهم اى من الشمال وهذه هى الحهة الرابعة.. وكلنا نعلم ان الجهات ست وليست اربعا .. فما هما الجهتان اللتان لا يأتى منهما الشيطان ؟ .. هما فوق وتحت .. هرب ابليس من هاتين الجهتين بالذات .. ولم يقل سآتى لهم من فوقهم او من تحتهم ، لأنه يعلم أن الجهة العليا تمثل الفوقية الإلهية .. وان الجهة السفلى تمثل العبودية البشرية حينما يسجد الإنسان لله .. ولذلك ابتعد ابليس عن هاتين الجهتين تماما .

 

ومن العجب انك اذا نظرت الى ابواق الإلحاد فى كل عصر .. تجدها تأتى من الجهات التى ياتى منها الشيطان .. يقولون  تقدمى جهة الأمام ..ورجعى جهة الخلف ويمينى جهة اليمين ويسارى جهة اليسار .. نقول لهم نحن لسنا فى اى جهة من هذه الجهات . لا تقدميين ندعو الى التحلل والفجور .. ولا رجعيين نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا . ولا يساريين ننكر الدين ونناصر الكفر .. ولا يمينيين نؤمن بالرأسمالية واستغلال الأنسان .. ولكننا أمة محمدية فوقية .كل امورنا من الله . ومادامت امورنا من الله سبحانه وتعالى . فنحن لا نخضع لمساو لنا . ولكننا نخضع  لله العلى القدير وما دمت تخضع لأعلى منك فلا ذلة ابدا بل عزة ورفعه .

مصداقا لقوله تبارك وتعالى

 

 

يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ(8)

سورة المنافقون

 

ونحن أمة محمدية فوقية .. نعلن عبوديتنا وخضوعنا لله .. ونتبع منهج السماء .. ولذلك فقد تميزنا عن البشر جميعا لأن كل انسان فى الدنيا لا يخضع لله سبحانه وتعالى ولا يأخذ منهجه عنه فهو خاضع لمنهج بشرى وضعه مساو له من البشر .. والنفس البشرية لها هوى تريد ان تحققه . لذلك فهى تضع المنهج الذى يمكنها من ان تتميز به على الناس .. المنهج الذى تستفيد منه هى وحدها.. وقد يكون المنهج من وضع محموعة افراد او طبقة .. نقول ان مناهجهم لفائدتهم .. ولكن الله سبحانه وتعالى يضع منهجه ليعطيك خيرا .. لا ليأخذ منك الخير ،لأنه جل جلاله مصدر الخير كله . وهو ليس محتاجا لما تملك ولا ما يملك البشر . اذن العدل والخير والعزة هى منهج السماء . فالله لا ياخذ منك ولكن يعطيك . ولا يذلك ولكن يعزك.

 

على ان هناك لفتة .. لابد ان ننتبه اليها . فهذه الفوقية هى التى جعلت الله سبحانه وتعالى يختار أمة أمية .. ليجعل فيها آخر صلة للسماء بالأرض ويختار من هذه الأمة رسولا أميا .. أى كما ولدته أمه .لم يأخذ ثقافة من مساوية..لم يتثقف على  الشرق او على الغرب ولم يقرأ لفلان فيتأثر به .. او لفيلسوف فيتبعه ولكن الذى علمه هو الله جل جلاله

 

اذن فالأمية شرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..لنها تؤكد ان كل ما جاء به هو من الله سبحانه وتعالى ولذلك فكل ما يأتى به معجزة لأنه وحى السماء ..فلو ان القرآن نزل على أمة متحضرة كالفرس او الروم .. او على نبى غير أمى ..قد قرأ كتب الفلاسفة والعلماء من الشرق والغرب .. لقيل ان "القرآن التقاء حضارات وهبات عقل واصلاحات ليقود الناس حركة حياتهم"ولكن لا . هى أمة امية – رسول أمى.. تأكيدا لصلتها بالسماء .. وان ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لا دخل لبشر ولا ثقافة ولا حضارة به . وهو ليس من معطيات عقول البشر .. ولكنه من الحق تبارك وتعالى ..ليصبح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الأمى معلما للبشرية كلها . وهكذا نعرف ان الشيطان لا يتطيع ان يقترب من مكان صعود الصلاة وصالح الأعمال الى السماء ومن مكان الخضوع والعبودية لله

سبحانه وتعالى

 

وقد أصر الشيطان على غواية الأنسان .. حتى لا يكون هو العاصى الوحيد.فمادام عصى وطرد من رحمة الله لماذا يكون هو العاصى الوحيد؟.. لماذا لا يكون الكل عاصيا ؟.. واذا كانت معصية الشيطان بسبب عدم السجود لآدم .. فلماذا لا يأخذ أولاد آدم معه الى النار ؟ انتقاما منهم ومن ابيهم .بعض الناس يقول ..ابليس عصى وآدم عصى .والله سبحانه وتعالى طرد ابليس من رحمته وغفر لآدم .. نقول ان هناك فرقا بين معصية ومعصية . معصية ابليس كانت معصية فى القمة .. ترد الأمر على الآمر .تقول لا ..لن اسجد ولن اطيع لأننى من نار وهو من طين .. فكأنه رد الأمر على الآمر.. اما آدم فقال : يارب أمرك الحق .. وقولك الحق ومنهجك الحق .. ولكنى ضعيف لم استطع ان احمل نفسى على الطاعة .. فسامح ضعفى يارب ، ولذلك شرع له الله سبحانه وتعالى التوبة . وعلمه كلمات ليتوب عليه .

 

اذن فهناك فرق بين معصيتين .معصية تقول لن أطيع لأننى خير منه .. ومعصية يعترف فيها العبد بالخطأ والضعف ويتجه الى الله طالبا التوبة والغفران .وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قد أبلغنا فى القرآن الكريم أن الشيطان عدو لنا .. فى قوله

 

 

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6)

سورة فاطر

 

فإن الإنسان لا يحتاط.. ولذلك فى كل مرة نقرأ فيها القرآن .. يريد الله سبحانه وتعالى .. أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم .. حتى اذا كان الشيطان قد مسنا او غلبنا فى حدث من احداث الحياة ..فان الله سبحانه وتعالى يبعده عنا ونحن نقرأ القرآن ..حتى تصفوا قلوبنا ونكون قد أبعدنا الشيطان .. وما حاول أن يوسوسه لنا ليبعدنا عن المنهج

 

عندما نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. فهناك مستعاذ به وهو الله تبارك وتعالى من الشيطان .. والشيطان من خلق الله وانت من خلق الله . فمن الممكن ان ينفرد خلق الله بخلق الله  ، ويكون القوى بقوته . اما اذا التحم احدهما بخالقه  فالثانى لا يقدر عليه . وانت اذا تركت نفسك للشيطان .. انفرد بك. ولذلك تستعيذ بالله الذى خلقك وخلق الشيطان .. فيعينك عليه .. ولذلك حين تجد قوما مؤمنين وقوما كافرين ..ان ظل المؤمنون موصولين بربهم . لا يهزمهم الكفار ابدا .. فاذا بعدوا عن منهج الله .. يهزمهم الكفار.. لأنه فى هذه الحالة يكون القتال بين فئتين ابتعدتا عن الله .. اذن فعندما ينفرد خلق بخلق .. فالقوى هو الذى يغلب . اما اذا احتمى خلق بخالقهم فلا يقدر عليهم احد. البشر يقدر  على البشر اذا بعدت الفئتان عن الله .. فان كانت الفئتان معتصمتين بالله .. فلن يتقاتلا.

 

والحق تبارك وتعالى .. يريدك حين تقرأ القرآن ان تصفى جهاز استقبالك تصفية تضمن حسن استقبالك للقرآن .. بأن تبعد عنك نزغ الشيطان .. حينئذ تستقبل القرآن بصفاء .. وتأخذ منه كل عطاء .فاذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم تكون فى جانب الله فلا ياتيك الشيطان ابدا .. ولذلك سيأتى الشيطان يوم القيامة  ليقول لمن اغواهم كما يروى لنا القرآن الكريم :

 

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)

سورة ابراهيم

اذا فالشيطان ليس له سلطان على الإنسان ان يقهره على فعل لا يريده ..اى ليس له سلطان القهر .وليس له سلطان على ان يقنع الإنسان بالمعصية .. وهذا  اسمه سلطان الحجة .. فالسلطان نوعان .. قهر لمن يريد الفعل . واقناع يجعلك تقبل الفعل وانت راض .. الشيطان ليس له سلطان القهر على عمل لا تريده .وليس له سلطان الحجة .. ليقنعنا بان نفعل مالا نريد ان نفعله .. ولكن المسألة ان وسوسة الشيطان .. وجدت هوى فى نفوسنا فتبعناه.

 

والله سبحانه وتعالى يريد ان يمنع عنا هذه الوسوسة .. ونحن نقرأ القرآن الكريم .. ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الذى خلق الشيطان .. وهو الذى اعطاه القدرة على  ان يوسوس للانسان .. لماذا؟.. لأنه لو ان الطاعة وجدت بدون مقاوم لا تظهر حرارة الايمان .. ولا قوة الأقبال على التكليف .. وانما عندما يوجد اغراء والحاح فى الإغراء .. وانت متمسك بالطاعة فذلك دليل على قوة الإيمان ..تماما كما انك لا تعرف قوة امانة موظف الا اذا اغريته برشوة فلو انه لو لم يتعرض لهذا الإغراء .. فلن تختبر امانته ابدا . ولكن اذا تعرض للأغراء .. وتمسك بامانته ونزاهته فهذه هى الأمانة...

 

والله سبحانه وتعالى اعطانا الإختيار لأنه يريد من خلقه من يطيعه وهو قادر على معصيته .. ويؤمن به وهو قادر على عدم الايمان .. لان هذه تثبت صفة المحبوبية لله . الخلق المقهور لله ياتى له قهرا .. لا يقدر على المعصية .. وهذا يثبت القهر والجبروت لله ولكن الحق سبحانه وتعالى اراد خلقا ياتيه عن حب .. وقد يكون هذا الحب من اجل عطاء الله فى الاخرة ونعيمه وجنته فلا يضن الله على عباده بها .. وقد يكون عن حب لذات الله . لذلك يقول بعض اهل الصفاء فى معنى الآية الكريمة

 

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)

سورة الكهف

 

يقولون ان الجنة احد .. لأن الحق سبحانه وتعالى قال " من كان يريد لقاء ربه" .. اى الأنس بلقاء الله .. فان كنت تعمل للذات وليس للعطاءات .. فانك تكون فى انس الله يوم القيامة .. والذى عمل للجنة سيأخذها .. والذى عمل لما فوق الجنة يأخذه

 

او لم يخلق الله تعالى جنة ونار ، اما كان اهلا لأن يعبد ؟! ولقد قالت رابعة العدوية :" اللهم ان كنت تعلم انى اعبدك طمعا فى جنتك فاحرمنى منها ، وان كنت تعلم انى اعبدك خوفا من نارك فارسلنى فيها ، انا اعبدك لأنك تستحق ان تعبد "

 

والحق سبحانه وتعالى : يريدك عندما تقرأ القرآن .. ان تصفى نفسك له  سبحانه وتعالى وهو جل جلاله يعلم مكائد الشيطان ومداخله الى النفس البشرية وانه سيوسوس لك ما يفسد عليك فطرتك الإيمانية .. فيأتى القرآن على فطرة فسدت . فلا يحدث استقبال لفيوضاته على النفس البشرية .. ولكن اذا استعذت بالله فقد استعذت بخالق .. فلا يجرؤ الخلق على الإقتراب منك ولذلك ان اردت من جهاز استقبالك ان يكون صالحا لصفاءات الأرسال ، سامعا لكلام الله .. لأن الله هو الذى يتكلم .. فالقرآن ليس كلام القارىء له . ولكنه كلام الله سبحانه وتعالى .. ولذلك قال سيدنا جعفر الصادق رضى الله عنه .. وكان اكثر آل بيت رسول الله معرفة باسرار القرآن الكريم .. ان مفزعات الحياة عند الأنسان ..

الخوف والغم والهم والضر وزوال النعمة.. قال عجبت لمن خاف ولم يفزع الى قول الله سبحانه وتعالى : حسبنا الله ونعم الوكيل . فقد سمعت الله بعده يقول " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " وعجبت لمن ابتلى بالضر ولم يفزع الى قول الله سبحانه وتعالى " انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ". وعجبت لمن ابتلى بالغم كيف لم يفزع الى قول الله تعالى " لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين " وعجبت لمن اضير .. ولم يفزع لقول الله سبحانه وتعالى " وافوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد " فقد سمعت الله تعالى بعدها يقول " فوقاه سيئات ما مكروا"

 

وانت مادمت فى معية خالقك لا يجرؤ الشيطان ان يذهب اليك ابدا

وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غار ثور ومعه ابو بكر الصديق رضى الله عنه يوم الهجرة .. والكفار عند مدخل الغار بسلاحهم .. ماذا قال ابو بكر رضى الله عنه ؟ قال لو نظر احدهم تحت قدميه لرآنا .. وهذا واقع لا يكذب الا بصفاء ايمانى .. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وما تشير اليه الآية الكريمة بقوله تعالى :

 

لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا(40)

سورة التوبة

اذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ابو بكر رضى الله عنه كلاهما فى معية الله ولكن هل كونهما فى معية الله .رد على قول ابى بكر : لو نظر احدهم تحت قدميه لرآنا .. نقول نعم .. لأنهما فى معية الله – والله لا تدركه الأبصار – فلا تدرك رسول الهه صلى الله عليه وسلم وابا بكر الأبصار كذلك ماداما فى معية الله .