دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)

 

فسبحانه قد أعطى لأولى الضرر درجة، وفضل المجاهد فى سبيل الله على القاعد من غير أولى الضرر درجات عدة. وساعة نسمع كلمة "درجة" فهى المنزلة، والمنزلة لا تكفى فقط للإضاح الشامل للمعنى، ولكن هى المنزلة الارتقائية. أما إن كان التغير إلى منازل أخرى أقل وأدنى، فنحن نقول: "دركات" ولا نقول: "درجات".

 

ولكن هل الدرجات هى لكل المجاهدين؟ . لا؛ لأننا لابد أن نلحظ الفرق بين الخروج من الوطن وترك الأهل للجهاد؛ وعملية الجهاد فى ذاتها؛ فعملية الجهاد فى ذاتها تحتاج إلى همة إيمانية، ولذلك جاء الحق بنص فى سورة التوبة:

 

( مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) )

(سورة التوبة)

هنا يوضح الحق أنه لا يصح لأهل المدينة والأعراب الذين حولهم ان يتخلفوا عن الجهاد مع رسول الله، ولا يرضوا لأنفسهم بالسعة والدعة والراحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشدة والمشقة، فكما ذهب إلى القتال يجب أن يذهبوا؛ لأن الثواب كبير، فلا يصيبهم تعب إلا ولهم أجر العمل الصالح، ولا يعانون من جوع إلا ولهم عليه أجر العمل الصالح، ولا يسيرون فى مكان يغيظ الكفار إلا ولهم أجر العمل الصالح. ولا ينالون من عدو نَيلا إلا ويكتبه الله لهم عملاً صالحاً، فسبحانه يجزى بأحسن ما كانوا يعملون.

 

وقام العلماء بحصر تلك العطاءات الربانية بسبع درجات، فواحد ينال الدرجات جميعاً. وآخر أصابه ظمأ فقط فنال درجة الظمأ، وآخر أصابه نصب فأخذ درجة النصب اى التعب، وثالث أصابته مخمصة، ورابع جمع ثلاث درجات، وخامس جمع كل الدرجات.

 

وعندما نقوم بحساب هذه الدرجات نجدها: للإصابة بالظمأ، النَصب – أى التعب – الجوع، ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار أى لا ينزلون فى مكان يتمكن فيه المسلمون منهم ويبسطون سلطانهم عليهم، والمقصود الحصن الحصين عند الكافر، النَيْل : التنكيل بالعدو، النفقة الصغيرة أو الكبيرة، وقطع أى واد فى سبيل الله، وهذه هى الدرجات السبع التى يجزى الله عنها بأحسن مما عمل أصحابها، كما فسرها العلماء، فمن نال الدرجات السبع فقد نال منزلة عظيمة، وكل مجاهد على حسب ما بذل من جهد. فمن المجاهدين من ينال درجة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو ست أو سبع درجات. وعندما نقرأ الآيتين معاً:

 

( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) )

(سورة النساء)

نجد أن الله يُرغَب المؤمنين فى أن يكونوا مجاهدين، وأن يبذلوا الجهد لتكون كلمة الله هى العليا. فإذا ما آمن الإنسان فليس له أن يتخلف عن الصف الإيمانى؛ لأنه مادام قد نفع نفسه بالإيمان فلمَ لا ينضم إلى ركب من ينفع سواه بالإيمان؟. ويريد الله أن يعبئ كل مَنْ مسَ الإيمان قلبه، وحتى ولو كان موجوداً فى مكان يسيطر عليه الكفار، فيدعوه لأن يتخلص من التفاف الكفار حوله وليخرج منضماً إلى أخوته المؤمنين. وليشيع الإيمان لسواه ويعبر عملياً عن حبه للناس مما أحبه لنفسه. ولكن هناك من قالوا: نحن ضعاف غير قادرين على الهجرة أو القتال فى سبيل الله. فيأتى القرآن بقطع العذر لأى إنسان يتخلف عن ركب الجهاد فى سبيل الله وسبيل نصرة دين الله فيقول الحق:

 

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)