لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)

 

لماذا هذا اللعن؟ لقد أذنب الشيطان وعصى الله. وآدم أذنب أيضاً وعصى الله.

 

فلماذا لعن الله الشيطان، ولماذا عفا الله عن آدم؟نجد الإجابة فى القرآن:

(فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37))

(سورة البقرة)

 

 

ونعرف بهذا القول: أن هناك فرقاً بين أن يرد المخلوق على الله حكماً، وفعل المعصية للغفلة.

 

فحين أمر الحق إبليس بالسجود لآدم قال إبليس:

(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)

(من الآية 12 سورة الأعراف)

وهذا رد للحكم على الله، ويختلف هذا القول عن قول آدم وحواء، قالا:

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا)

(من الآية 23 سورة الأعراف)

 

وهكذا نجد أن آدم قد اعترف بحكم الله واعترف بأنه لم يقدر على نفسه. ولذلك فليحذر كل واحد أن يأتى إلى ما حرَم الله ويقول: لا، ليس هذا الأمر حراما لكن إن كان لا يقدر على نفسه فليعترف ويوقل: إن ما حرم الله حرام. لكنى غير قادر على نفسى. وبذلك يسبعد الكفر عن نفسه، ويكون عاصياً فقط ولعل التوبة أو الاستغفار يذهبان عنه سيئات فعله. أما من يحلل ما حرَم الله فهو يصر على الكفر، وطمس الله على بصيرته نتيجة لذلك.

 

وسبحانه وتعالى يصف الشيطان بقوله- سبحانه - : "لعنه الله" أى طرده من رحمته. وليتيقظ ابن آدم لحبائل الشيطان وليحذره؛ لأنه مطرود من رحمة الله.

 

ولو أن سيدنا آدم أعمل فكره لفند قول الشيطان وكيده، ذلك أن كيد الشيطان ضعيف. ولكن آدم عليه السلام لم يتصور أن هناك من يقسم بالله كذباً. فقد أقسم الشيطان:

(وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21))

(سورة الأعراف) 

وكانت غفلة آدم-عليه السلام- لأمر أراده الله وهو أن يكون آدم خليفة فى هذه الدنيا؛ لذلك كان من السهل أن يوسوس الشيطان لآدم ولزوجه:

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20))

(سورة الأعراف)

 

وأغوى الشيطان آدم وحواء بأن الله قد نهاهما عن الأكل من تلك الشجرة حتى لا يكونا ملكين، وحتى لا يستمرا فى الخلود. ولو أن آدم أعمل فكره فى هذه المسألة لقال للشيطان: كل أنت من الشجرة لتكون ملكاً وتكون من الخالدين، فأنت أيها الشيطان الذى قلت بخوف شديد لله:

( رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

(من الآية 36 سورة الحجر)

 

والحق يريد لنا أن نتعلم من غفلة آدم؛ لذلك لابد للمؤمن أن يكون يقظاً. فسبحانه يقول عن الشيطان: "لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضا"

 

والقرآن الكريم حين يعالج قضية ما فهذه القضية تحتاج إلى تدبر. ونلحظ أن إبليس قد تكلم بذلك ولم يكن موجوداً من البشر إلا آدم وحواء، فكيف علم ما يكون فى المستقبل من أنه سيكون له أتباع من البشر؟ وكيف قال: "لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً" ؟.

 

لقد عرف أنه مادام قد قدر على ابيهم آدم ,امهم حواء فلسوف يقدر على أولادهما ويأخذ بعضاً من هؤلاء الأولاد إلى جانبه، قال ذلك ظناً من واقع أنه قدر على لآدم وحواء. والذين اتبعوا إبليس من البشر صدقوا إبليس فى ظنه. وكان هذا الظن ساعة قال: "لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً".

 

وأخذ إبليس هذا الظن لأنه قدرعلى آدم وحواء مع أن آدم وحواء قد أخذا التكليف من الله مباشرة، فمابالك بالأولاد الذين لم يأخذوا التكليف مباشرة بل عن طريق الرسل. غذن كان ظن إبليس مبنياً على الدليل فالظن – كما نعلن – هو نسبة راجحة وغير متيقنة، ويقابلها الوهو وهو نسبة مرجوحة:

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)

(من الآية 20سورة سبأ)

 

 

ولذلك قال إبليس أيضاً:

(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)

(من الآية 62 سورة الإسراء)

وقال كذلك:

(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82))

(سورة ص)

 

مادام إبليس قد قال: "لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً"

 

فهذا اعتراف بأنه لن يستطيع أن يأخذ كل أولاد آدم. والفرض – كما نعلم- هو القطع. ويقال عن الشء المفروض: إنه المقطوع الذى لا كلام فيه أبداً.

 

وما وسيلة إبليس- إذن- لأخذ نصيب مفروض من بنى آدم؟

 

ويوضح الحق لنا وسائل إبليس، على لسان إبليس:

 

وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)