يقول الحق سبحانه :

{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5) }

اختلف العلماء فى معنى الاستثناء هنا : أهو استثناء من الفسق ؟ أم استثناء من عدم قبول الشهادة ؟

ذكرنا أن مشروعية التوبة منة و تكرم من الحق – تبارك و تعالى – لأنه لو لم تشرع التوبة كان من يقع فى معصية مرة ، و لا تقبل منه توبة يتجرأ على المعصية و يكثر منها ، و لم لا ؟ فلا دافع له للإقلاع .

إذن : حين يشرع الله التوبة إنما يحمى المجتمع من الفاقدين الذين باعوا أنفسهم ، و فقدوا الأمل فى النجاة . فمشروعية التوبة كرم ، و قبولها كرم آخر ، لذلك يقول الحق سبحانه :{ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ...(118) } [التوبة] أى : شرع لهم التوبة ليتوبوا فيقبل منهم .

و قوله تعالى : { وَأَصْلَحُوا...ٌ(5) } ]النور] تدل على أن من وقعت منه سيئة عليه أن يتبعها بحسنة ، و قد ورد فى الحديث الشريف : " و أتبع السيئة الحسنة تمحها ...."

( أخرجه أحمد فى مسنده (5/153 ، 158 ) و الترمذى فى سنته ( 1987 ) و الدارمى فى سننه ( 2/ 323 ) من حديث أبى ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اتق الله حيثما كنت ، و أتبع السيئة الحسنة تمحها ، و خالق الناس بخلق حسن " . و اللفظ للترمذى ) .

لذلك تجد الذين أسرفوا على أنفسهم فى ناحية ما ، حينما يكبرون و يحبون التوبة تراهم شغوفين بحب الخير و عمل الطاعات ، يريدون أن يكفروا بها ما سبق من السيئات ، على خلاف من حافظ على نفسه ، و نأى بها عن المعاصى ، فتراه باردا" من ناحيتها يفعل الخير على قدر طاقته.

و كأن الحق – تبارك وتعالى – يحذر عباده : يا عبادى احذروا : من أخذ منى شيئا" خلسة أو ترك لى حكما" ، أو تجرأ على بمعصية سيتعب فيما بعد ، و يلاقى الأمرين ؛ لأن السيئة ستظل وراءه تطارده و تجهده لأغفرها له ، و سيحتاج لكثير من الحسنات و أفعال الخير ليجبر بها تقصيره فى حق ربه .