وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)

والأرض التي وقعت عليها، وجرت فوقها تلك القصة هي مصر، وسبق أن عرفنا ذلك حين قال الحق سبحانه:

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ....(21)
(سورة يوسف)


وهكذا نعرف أن هناك "ملك"، وهناك "عزيز". ونحن نعلم أن حكام مصر القديمة كانوا يسمون الفراعنة، وبعد أن اكتشف "حجر رشيد"، وتم فك ألغاز اللغة الهيروغليفية؛ عرفنا أن حكم الفراعنة قد اختفى لفترة؛ حين استعمل مصر ملوك الرعاة، وهم الذين يسمون الهكسوس. وكانت هذه هي الفترة التي ظهر فيها يوسف، وعمل يوسف وأخوه معهم، فلما استرجع الفراعنة حكم مصر طردوا الهكسوس، وقتلوه من كانوا يوالونهم.
وحديث القرآن عن وجود ملك في مصر أثناء قصة يوسف عليه السلام هو من إعجاز التنبؤ في القرآن. وساعة تقرأ:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ.... (43)
(سورة يوسف)


ثم يطلب تأويل رؤياه؛ فهذا يعني أنها رؤيا منامية. وكلمة:

... سِمَانٍ .....(43)
(سورة يوسف)


أي: ممتلئة اللحم والعافية. وكلمة (عجاف) أي: الهزيلة؛ كما يقال عند العامة "جلدها على عضمها"؛ فكيف تأكل العجاف السمان؛ مع أن العكس قد يكون مقبولاً؟ وأضاف الملك:

... وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ...(43)
(سورة يوسف)


ولم يصف الملك أي فعل يصدر عن السنابل، ثم سأل من حوله من أعيان القوم الذين يتصدرون صدور المجالس، ويملأون العيون:

.... أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
(سورة يوسف)


وكلمة (تعبرون) مأخوذة من "عبر النهر" أي: انتقل من شاطئ إلى شاطئ، وكأنه يطلب منهم المراد المطوي في الرؤيا. ومن هذا المعنى أخذنا كلمة "العبرة"، وهي التجربة التي نستفيد منها، ومنه أيضاً "العبارة" وهو أن يكون هناك شيء مكتوم في النفس، ونؤديه، ونظهره بالعبارة.
ومنه "العبرة"، وهو الدمعة التي تسقط من العين تعبيراً عن مشاعر ما؛ سواء كانت مشاعر حزن أو فرح، والمادة كلها تدور حول تعريف مجهول بمعلوم. وهكذا يفعل مفسر الريا حين يعبر ـ من خلال رموزها ـ من الخيال إلى الحقيقة. ولم يعرف الملأ الذين حول الملك تفسيراً للرؤيا التي رآها في منامه. ويقول الحق سبحانه ما جاء على ألسنتهم:

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)